الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **
نشأ في الفكر الصوفي منذ القرن الثالث الهجري دعوى كاذبة وهي أن الأولياء يختمون كما أن الأنبياء لهم نبي خاتم. وأول من أظهر هذه الفكرة ودعا رجل يسمى محمد بن علي بن الحسن الترمذي ـ ويسمونه الحكيم ـ وجد في أواخر القرن الثالث الهجري وهو مجهول سنة الولادة والوفاة. ولقد ألف كتابًا في هذا أسماه (ختم الأولياء) يقول في هذا الكتاب المذكور؛ "وما صفة ذلك الولي، الذي له إمامة الولاية ورياستها وختم الولاية؟ قال: ذلك من الأنبياء قريب، يكاد يلحقهم. قال: فأين مقامه؟ قال: في أعلى منازل الأولياء، في ملك الفردانية، وقد انفرد في وحدانيته، ومناجاته كفاحًا في مجالس الملك، وهداياه من خزائن السعي. قال:وما خزائن السعي؟ قال: إنما هي خزائن ثلاث: خزائن المنن للأولياء، وخزائن السعي لهذا الإمام القائد، وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام، فهذا خاتم الأولياء مقامه من خزائن المنن، ومتناوله من خزائن القرب: فهو في السعي أبدًا فمرتبته ههنا، ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام، قد انكشف له الغطاء عن مقام الأولياء ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم" (ختم الولاية). وقد تدرج الترمذي هذا في دعواه تلك تدرجًا إبليسيًا خبيثًا حيث هو يجابه العالم الإسلامي بمثل هذه العقيدة الفاسدة، فيتذرع لنشر عقيدته الباطلة بتحريف النصوص القرآنية والحديثية فيزعم أن للأولياء البشرى في الحياة الدنيا مستدلًا بقوله تعالى: "فهذه الطبقة التي يكبر في صدورهم (يعني علماء السنة الذين ينكرون هذه الترهات والأكاذيب) بلوغ الأولياء هذا المحل من ربهم فيدفعون هذا لجهلهم، لا يعلمون أن لله عبادًا أغرقوا في بحر جوده، فجاد عليهم، بكشف الغطاء عن قلوبهم، عن عجائب، وأطلعهم من ملكه ما نسوا في جنبه كل مذكور، حتى تنعموا به في حجبه الربانية" (ختم الأولياء ص386). ثم يستطرد الترمذي أيضًا عائبًا على من يعيب على المتصوفة هذه الدعاوي الباطلة فيسميهم علماء حطامين أي أهل دنيا، وتارة بلعامين ـ نسبة إلى بلعام بن باعوراء ـ اليهودي الذي يذكر المفسرون أن الله أنزل في شأنه ثم يدعي الترمذي بعد ذلك للأولياء أنهم يخبرون ويغترفون مما يغترف منه الأنبياء. وأن الأولياء يبشرون (بالبناء للمجهول) كما يبشر الأنبياء ويرد على من يحتج عليهم أيضًا بقوله تعالى "فإذا ذكر شأن الأولياء قدروا أحوالهم على ما يرون من أمور نفوسهم فكذبوا نعم الله تعالى، ودفعوا منه وجهلوا أمره. فهذا من أعظم الفرية على الله تعالى.. قال له قائل: فإن بعضهم احتج بقوله (تعالى): والمحبة والسعادة والشقاوة غيب عند الله تعالى، لا يعلم إلا هو، .. وزعم أنك ناظرت يحيى بن معاذ في ذلك حتى بقي متحيرًا.. وأن هذه الطبقة تقدم نفسها على الأنبياء.. قال له: أما قوله تعالى: ويستطرد الترمذي مجيبًا في زعمه على من يقول للمتصوفة في دعاواهم هذه أن هذا ادعاء لعلم الغيب ولا يعلم الغيب إلا الله، فيجيب الترمذي على ذلك بجواب عجيب حيث يقول: "وأما قوله وبالطبع يمهد الترمذي لهذا كله الذي يهدم به الدين من أساسه بأن الله في زعمه قد أعطاه الدليل على أن هذا الوحي المزعوم صدق، فيقول ردًا على من ينكر ذلك عليهم: "ويقال (له أيضًا): ما قولك في محدِّث، بشر بالفوز والنجاة فقال: رب اجعل لي آية تحقق لي ذلك الخبر الذي جاءني، لينقطع (الشك والاعتراض) فقال: آتيك أن أطوي لك الأرض حتى تبلغ بيتي الحرام في ثلاث خطوات، وأجعل لك البحر كالأرض تمشي عليه كيف شئت، وأجعل لك التراب والجو في يديك ذهبًا.. ففعل هذا فهل ينبغي له أن يطمئن إلى هذه البشرى، بعد ظهور هذه الآية أم لا؟ فإن قال: لا، فقد عاند واجترأ على الله وحلت به دائرة السوء. وإن قال: نعم. فقد ذهب قوله واحتجاجه الظلماني" (ختم الأولياء ص401). ثم يبالغ الترمذي بعد ذلك في وصف هذا الولي المزعوم الذي يدعي أنه خاتم الأولياء فيقول في ص406 من المصدر المذكور (ختم الأولياء): "فهذا سيد الأولياء وأمان أهل الأرض ومنظر أهل السماء، وخالصة الله وموضع نظره وسوطه في خلقه" ا.هـ وأن هذا الذي حصل عليه ذلك الولي إنما كان باجتباء من الله ومنة منه فهو الذي جذبه إليه، وأراد به ذلك.. ثم يسأل الترمذي سؤالًا يجيب عنه وهو كيف تقدم الختم هذا الأولياء فيقول (ختم الأولياء ص421): "قال: فيم تقدم الأولياء واحتاجوا إليه؟ قال: بأن أعطي ختم الأولياء. فبالختم تقدمهم، فصار حجة الله على أوليائه، وقد ذكرت في أول الكتاب سبب الختم.. (وهو) أن النبوة أعطيت الأنبياء عليهم السلام، ولم يعطوا الختم فلم تخل تلك الحظوظ من هنات النفس ومشاركتها، وأعطي نبينا وختمت له نبوته. كالعهد الذي يكتب ثم يختم، فلا يصل أحد إلى أن يزيد فيه ولا أن ينقص منه، وقد وصفت شأنه فيما تقدم. وكذلك هذا الولي سير به (الله تعالى) على طريق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنبوته، مختومًا بختم الله، فكما كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجة على الأنبياء فكذلك يصير هذا الولي حجة على الأولياء، أعطيتكم ولايتي فلم تصونوها من مشاركة النفس. وهذا أضعفكم وأقلكم عمرًا قد أتى بجميع الولاية صدقًا، فلم يجعل للنفس فيها نصيبًا ولا تلبيسًا. وكان ذلك في الغيب من منة الله تعالى على هذا العبد، حيث أعطاه الختم لتقر به عين محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الموقف حتى قعد الشيطان في معزل، وليست النفس فبقيت محجوبة، فيقر له الأولياء يومئذ بالفضل عليهم. فإذا جاءت تلك الأهوال لم يك مقصرًا. وجاء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالختم فيكون أمانًا لهم من ذلك الهول. وجاء هذا الولي بختمه فيكون أمانًا لهم بصدق الولاية، فاحتاج إليه الأولياء.." ا.هـ وهكذا يجعل الترمذي لهذا الولي المزعوم ما جعله الله لنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. وصدق الله سبحانه وتعالى في شأن المشركين وهؤلاء الزنادقة يريد كل منهم أن يوحى إليه كما يوحى إلى الرسول، بل لم يتركوا فضلًا مما فضل الله به عبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا انتحلوه لأنفسهم بل زادوا عليه، واحتقروا منزلة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المنازل التي يزعمون أن الله قد بلغهم إياها. لقد وضع الترمذي المسمى بالحكيم في الكتاب (ختم الولاية) بذور الشر الكبرى في الفكر الصوفي، وكل الذين جاؤوا بعده إنما هم عيال عليه وتبع له في كل هذا الباطل الذي بثه في كتابه، وخاصة في مسألة الختم الولاية فلم يأت متصوف بعد الترمذي هذا من مشهوري المتصوفة إلا وادعى ختم الولاية لنفسه. وها أنذا أسوق بعضًا من ذلك. يقول ابن عربي المتوفي سنة 638هـ مدعيًا لنفسه ختم الولاية: "وأما ختم الولاية المحمدية فهي لرجل من العرب. من أكرمها أصلًا ويدًا. وهو في زماننا اليوم موجود. عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحق فيه من عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه ـ وهو خاتم النبوة المطلقة ـ لا يعلمها كثير من الناس وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبوة الشرائع كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي لا التي تحصل من سائر الأنبياء فإن من الأولياء من إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوحدون بعد الختم المحمدي، وبعده فلا يوجد ولي على قلب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا معنى خاتم الولاية المحمدية" (الفتوحات ج2 ص49). ويقول في موضع آخر من فتوحاته الضالة: "ومنهم (يعني الأولياء) الختم، وهو واحد لا في كل زمان، بل واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية فلا يكون في الأولياء المحمدية أكبر منه" (الفتوحات ج2 ص9). وهذه العقيدة المفتراة التي لم يأت بها كتاب ولا سنة، وإنما افتراها الترمذي وجاء هؤلاء الملاحدة لينسجوا على منواله، وكل منهم يريد فيها شيئًا، فبالرغم من أن الترمذي لم يفضل خاتم الأولياء المزعوم هذا على خاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن ابن عربي جاء من بعده ليزعم أن خاتم الأولياء ـ يعني نفسه ـ أفضل من خاتم الأنبياء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك بناء على تفضيله الولي على النبي كما قال في شعره: مقام النبوة في برزخ** فويق الرسول ودون الولي ويأتي إلى حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين). فيزعم أن اللبنة التي رآها الرسول هي لبنة فضة، وأما خاتم الأولياء فإنه يرى أن الجدار قد نقص لبنتين لبنة فضة ولبنة ذهب،وأنه يرى نفسه قد انطبع موضع هاتين اللبنتين. يقول ابن عربي: "ولما مثل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ النبوة بالحائط من اللبن، وقد كمل سوى موضع لبنة، فمكان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلك اللبنة، غير أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يراها إلا كما قال: لبنة واحدة. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويرى في الحائط موضع اللبنتين واللبن، من ذهب وفضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين، فيكمل الحائط". والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين، أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضية، وهو ظاهره وما يتبعه فيه من الأحكام. كما هو آخذ عن الله، في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه من الأحكام، كما هو آخذ عن الله، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه - فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه آخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ. فصوص الحكم ا.هـ الفص الشيسي. والذين جاؤوا بعد ابن عربي من المتصوفة السائرين في هذا الدرب المظلم رددوا هذه العقيدة في كتبهم وزاد كثير من مشايخهم فزعم لنفسه هذه الولاية الكبرى التي يتم بها -في زعمهم- الولاية، وقد تصدى الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى وـ رضي الله عنه ـ لهذه المزاعم في أماكن كثيرة من كتبه ومن ذلك قوله: "وكذا خاتم الأولياء لفظ باطل لا أصل له. وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي. وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حموي، وابن عربي، وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها، وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بعض الوجوه، إلى غير ذلك من الكفر والبهتان، وكل ذلك طمعًا في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء، وقد غلطوا، فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك، وليس كذلك خاتم الأولياء، فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ثم عمر ـ رضي الله عنه ـ ثم عثمان ـ رضي الله عنه ـ ثم علي ـ رضي الله عنه ـ وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن نقي يكون في الناس، وليس ذلك بخير الأولياء، ولا أفضلهم، بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ثم عمر اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما" (الفتاوي: ج11 ص444). وقال رحمه الله أيضًا: ".. إن دعوى المدعي وجود خاتم الأولياء، على ما ادعوه، باطل لا أصل له، ولم يذكر هذا أحد من المعروفين قبل هؤلاء إلا أبو عبدالله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب (ختم الولاية) وقد ذكر في هذا الكتاب وهو خطأ وغلط مخالف للكتاب والسنة والإجماع. وهو رحمه الله تعالى وإن كان فيه فضل ومعرفة، ومن الكلام الحسن المقبول والحقائق النافعة أشياء محمودة (قلت: رحم الله ابن تيمية: أي شيء محمود في كتابه وقد بناه من أوله لآخره على أن الأولياء معصومون، وأن الله هو يختصهم ويختارهم، وأن التكليف ليس شرطًا في ولايتهم، وأنهم يعلمون الغيب كله.. بل أسس في كتابه ختم الولاية كل أصول الشر لمن جاء بعده)، ففي كلامه من الخطأ ما يجب رده. ومن أشنعها ما ذكره في ختم الولاية: مثل دعواه فيه أنه يكون في المتأخرين من درجته عند الله أعظم من درجة أبو بكر وعمر وغيرهما: ثم إنه تناقض في موضع آخر، لما حكى عن بعض الناس، أن الولي يكون منفردًا عن الناس، فأبطل ذلك واحتج بأبي بكر وعمر وقال: يلزم هذا أن يكون أفضل من أبي بكر وعمر" (وأبطل ذلك). ومنها أنه ذكر في كتابه ما يشعر أن ترك الأعمال الظاهرة، ولو أنها التطوعات المشروعة، أفضل في حق الكامل ذي الأعمال القلبية، وهذا أيضًا خطأ عند أئمة الطريق. فإن أكمل الخلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما زال محافظًا على ما يمكنه من الأوراد والتطوعات البدنية إلى مماته.. وقال أيضًا: "ومنها ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم خاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح، فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأمثالهم، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، كما ثبت ذلك بالنصوص المشهورة، وخير القرون قرن ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الحديث الصحيح: (خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ولفظ خاتم الأولياء لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله، وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي، (ومهما يكن الأمر) فإن الله يقول: وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا، فليس ذلك الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم، بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم، الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم..". وقد رد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيضًا على ما ادعاه الترمذي (الحكيم) في ثبوت العصمة للأولياء بقوله: ".. وإن طائفة تدعي على أن الولي محفوظ وهو نظير ما يثبت للأنبياء من العصمة -والحكيم الترمذي قد أشار إلى هذا- فهذا باطل مخالف للسنة والإجماع، ولهذا اتفق المسلمون على أن من الناس من يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. وبهذا صار جميع الأولياء مفتقرين إلى الكتاب والسنة، لا بد لهم أن يزنوا جميع أمورهم بآثار الرسول فما وافق آثار الرسول فهو الحق وما خالف ذلك فهو باطل..". وقال أيضًا: "ثم إن صاحب الفصوص (يعني ابن عربي) وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا وساطة والنبي يأخذ بوساطة الملك. ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بوساطة الرسول وإن كان محدثًا (يشير الإمام ابن تيمية بقوله (محدثًا) إلى حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عائشة ـ رضي الله عنه ـا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أنه كان يقول (قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منم واحد، فإن عمر بن الخطاب منهم) قال ابن وهب: تفسير محدثون أي ملهمون (متفق عليه)، فقد ألقي إليه بشيء وجب عليه أن يزنه بما جاء الرسول من الكتاب والسنة" ا.هـ ولا يظنن ظان أن قول الإمام ابن تيمية أن الولي يكون (محدثًا) أن الله يكلمه، وإنما ذلك مجرد الإلهام الذي لا يستطيع الولي بأن يجزم بأنه من الله أو من الشيطان إلا بعرضه على ميزان الكتاب والسنة. وباطمئنان قلب المؤمن المتبع لشرع الله إلى مثل هذا الإلهام، وأما هذه المخاريق والخزعبلات والكفر والزندقة التي جاء بها المتصوفة فليست إلا وساوس شياطين إذ كيف يكون إلهامًا من الله وهو يدعي أنه خاتم الأولياء وأنه أفضل من محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنه يعلم الغيب كله وأنه يتصرف في الأكوان.. إلخ هذه الكفريات. ولذلك قال الإمام ابن تيمية في هذا الصدد: "والأولياء وإن كان فيهم محدث، كما ثبت في الصحيحين عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال [إنه كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم فعمر] فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو صديق، والمحدث وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة فإنه ليس بمعصوم.." ا.هـ ولا شك بعد هذا أن دعوى ختم الولاية هي من الكفر الصريح الذي لا يجوز أن يماري فيها مؤمن يعي عن الله وعن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا سيما إذا انضاف إلى ذلك الزعم بتفضيل خاتم الأولياء هذا على خاتم الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقد نص ابن تيمية رحمه الله في مواطن كثيرة على كفر من زعم ذلك كقوله: "ومن الأنواع التي في دعواهم، أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه، فإن هذا لم يقله أبو عبدالله الحكيم الترمذي (قلت: حقًا لم يقل هذا نصًا ولكن ما وصف به خاتم الأولياء المزعوم يجعله في منزلة فوق النبي نفسه) ولا غيره من المشايخ المعروفين. بل الرجل أجل قدرًا وأعظم إيمانًا من أن يفتري هذا الكفر الصريح ولكن أخطأ شبرًا ففرعوا على خطئه ما صار كفرًا. وأعظم من ذلك زعم (ابن عربي) أن الأولياء والرسل، من حيث ولايتهم، تابعون لخاتم الأولياء وأخذوا من مشكاته. فهذا باطل بالعقل والدين فإن المتقدم لا يؤخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم، وأعظم من ذلك أنه جعلهم تابعين له في العلم بالله، الذي هو أشرف علومهم، وأظهر من ذلك أنه جعل العلم بالله هو مذهب أهل وحدة الوجود، القائلين بأن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق! فليتدبر المؤمن هذا الكفر القبيح درجة بعد درجة (!!..). فقد زعم أنه أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن تقدمه عليه بالعلم بالله، وتقدم خاتم الأنبياء بالتشريع فقط. وهذا من أعظم الكفر الذي يقع فيه غالية المتفلسفة، وغالية المتصوفة، وغالية المتكلمة، الذين يزعمون أنهم في الأمور العلمية أكمل من الرسل.. وأن الرسل إنما تقدموا عليهم بالتشريع العام الذي جعل لصلاح الناس في دنياهم. وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية، وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العليا في الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء" (حيق مذهب الاتحاديين لابن تيمية ص115-123). وأظن بعد هذا الكلام الصريح الواضح والدليل الناصع لا يرتاب مسلم مؤمن بالله في كفر هذه الطائفة المارقة التي فتحت الباب لكل زندقة وكفر ليدخل دين الإسلام، وللأسف إن ذلك كل يحدث باسم التقوى والصلاح والزهد والتصوف والتعبد وإصلاح القلوب، والوصول إلى غاية الدين. وهؤلاء المتصوفة في حقيقة أمرهم متبعون في دينهم للملاحدة الذين أرادوا هدم الدين.. واقرأ ما يقوله ابن تيمية أيضًا في ذلك: "ولهذا كان الملاحدة من المتصوفة على طريقهم، كابن عربي وابن سبعين وغيرهما، قد سلكوا مسلك ملاحدة الشيعة، كأصحاب رسائل إخوان الصفا واتبعوا ما وجدوه من كلام صاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها وغير ذلك مما يناسب ذلك، فصار بعضهم يرى أن باب النبوة مفتوح لا يمكن إغلاقه. فيقول كما كان ابن سبعين يقول: "لقد زَرَّبَ ابن آمنة (ضيق على الناس ويعني بابن آمنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال (لا نبوة بعدي)"! أو يرى، لكونه أشد تعظيمًا للشريعة، أن باب النبوة قد أغلق؛ فيدعي أن الولاية أعظم من النبوة وأن خاتم الأولياء أعلم بالله من خاتم الأنبياء، وأن خاتم الأنبياء بل وجميع الأنبياء إنما يستفيدون معرفة الله من مشكاة خاتم الأولياء. ويقول إنه يوافق النبي في معرفة الشريعة العملية لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وأنه أعلم من النبي بالحقائق العلمية لأنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحى به إلى الرسول.. فمحمد عندهم يأخذ من الملك الذي هو عندهم خيال في نفسه، وذلك الخيال يؤخذ عن العقل. فمحمد عندهم يأخذ عن جبريل وجبريل يأخذ عن ما علمه من النفس الفلكية، فزعم ابن عربي أنه يأخذ من العقل، وهو المعدن الذي يأخذ منه جبريل فإن ابن عربي وهؤلاء يعظمون طريق الكشف والمشاهدة والرياضة والعبادة، ويذمون طرق النظر والقياس وما يدعونه من الكشف والمشاهدة، عامته خيالات أنفسهم، ويسمونه حقيقة.." (الرد على المنطقيين، لابن تيمية ص486-489). وممن ادعى ختم الولاية لنفسه محمد عثمان الميرغني السوداني المتوفي سنة 1268هـ. والذي كان يقول عن نفسه "من رآني ومن رأى من رآني إلى خمسة لم تمسه النار! ولا حرج على ذلك فإن الله يختص برحمته من يشاء" (انظر تاج التفاسير لمحمد عثمان الميرغني ص4). وسمى نفسه الختم، أو خاتم الأولياء، وجعل هذا الاسم أيضًا علمًا على طريقته الصوفية حيث سماها (الختمية) أي خاتمة الطرق جميعًا!! ومما يدعيه في تفضيل نفسه على سائر الأمة جميعًا بمن فيهم أبو بكر عمر ما يقوله في كتابه الذي سماه تاج التفاسير ص137 عند قوله تعالى: "ولما وصلت في التفسير إلى هذا الموضع رأيت في تلك الليلة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في محفل من الرسل الكرام ويقول لي الأنبياء من نوري، وطارت نقطة نور منه فتخلق منها صورة سيدنا إسماعيل الذبيح فقال لي هكذا خلقوا من نوري والأولياء من نور الختم ثم رأيته تلك الليلة عن يمينه جبريل وعن يده اليسرى ميكائيل وأمامه الصديق وخلفه الإمام علي، فقال لي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن دنوت منه وقبلت جبهته الكريمة: ما قام بأمر الله والمؤمنين أحد بعدي مثلك شكر الله سعيك فقلت له يا رسول الله، فقال تعبت في المؤمنين ونصحتهم ما تعب فيهم أحد بعدي مثلك فقلت له أأرضاك ذلك؟ قال أرضاني وأرضى الله من فوق سبع سماواته وعرشه وحجبه. ثم نادى رضوان فقال يا رضوان: عمر جنانًا ومساكن لابني محمد عثمان وأبنائه وصحبه وأتباعه، وأتباع أتباعه إلى يوم القيامة: ثم قال يا مالك فحضر فقال عمر: في النار مواضع لأعداء محمد عثمان إلى يوم القيامة. وأطال الكلام في الواقعة ونسأل الله التوفيق لشكر النعم بحق المصطفى صاحب الأسرار الجامعة" ا.هـ منه بلفظه.. وفي هذه الرؤيا المزعومة كل الكفر والشرك. فالأنبياء لم يخلقوا من نور الرسول كما زعم في رؤياه بل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشر كسائر الناس في البشرية لقوله تعالى: فليس مخلوقًا من نور كما زعموا بل من يقول هذا يجعل الرسول جزءًا من الله وهذا كفر كما قال الله للمشركين فمن قال إن الرسول خلق من نور الله فهو كافر، ومن قال أيضًا خلق من نور عرش الله فهو كافر متقول على الله ما لم يقل، متقول على رسول الله ما لم يقله. وأما الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله والذي فيه أن جابرًا سأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أول خلق الله؟ فقال: نور نبيك يا جابر، فهو حديث موضوع باتفاق أئمة الحديث جميعًا على وضعه وأنه كذب محض مخالف لما صح عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حديث ابن عمر أن أول شيء خلقه الله سبحانه وتعالى هو القلم فقال له اكتب. قال وما أكتب؟ قال اكتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. (متفق عليه)، وأما قوله الأولياء قد خلقوا من نور الختم!! يعني محمد عثمان الميرغني فهذا ليس كذبًا فقط ولكنه كذب وصفاقة وسخافة تضحك العقلاء، فما النور الذي كان مع محمد عثمان حتى يخلق الله منه جميع الأولياء!! ومتى كان الأولياء قد خلقوا من نور، والملائكة هم الذين خلقهم الله من النور!! وأما الأولياء والأنبياء فبشر كالبشر فضلهم الله بعبادته وطاعته والإيمان به. وأما الإدعاء بأن الرسول قد أمر رضوان أن يبني لمحمد عثمان وأتباعه وذريته وأهل بيته.. الخ، هذه السخافات فشيء لم يدعيه الرسول لنفسه فضلًا عن أن يجعلها لرجل كان أهم ما امتاز به هو أن مهد الطريق للاستعمار الإنجليزي في السودان، واستطاع أن يأكل أموال الناس بالباطل بما لا مثيل له فقد استحوذ على أموال البسطاء والمساكين والفقراء.. وأن يتزوج مئات النساء وينجب عشرات الأطفال!! وأما أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر مالكًا خازن النار أن يعمر مساكن لأعداء محمد عثمان إلى يوم القيامة.. هكذا.. فالنبي لا يأمر ملائكة الله من عند نفسه بل قال له سبحانه: أي أن من قال: رأيت في النوم كذا وكذا وليس بذلك فهذا قد رأى في عينه ما لم ترءيا، وإن كان رأى حقًا فإنما ذلك من الشيطان حتمًا لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يأت بعد مماته بما يخلف شريعته في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وممن ادعى لنفسه ختم الولاية أيضًا بصفاقة ليس بعدها صفاقة أحمد التجاني الفاسي المتوفي سنة 1230هـ وهذا التجاني جاء ليكذب جميع الذين ادعوا الختمية قبله على ألف سنة تقريبًا. فإذا كان أول من ادعاها هو محمد بن علي بن الحسن الترمذي المسمى بالحكيم وكان ذلك في أواخر القرن الثالث الهجري فقد جاء التجاني في القرن الثالث عشر ليكذب جميع الذين ادعوا الختمية قبله وليزعم لنفسه أن الله قد ختم الأولياء به حقًا وصدقًا، وأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد بشره بذلك. قال صاحب كتاب رماح حزب الرحيم على نحور حزب الشيطان الرجيم: "قال صاحب الرماح ما نصه: وشيخنا التجاني ولد عام خمسين ومائة وألف ووقع له الإذن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقظة لا منامًا بتربية الخلق على العموم والإطلاق سنة ألف ومائة وست وتسعين، قال أخبرني سيدي محمد الغالي أن الشيخ عاش وهو في مرتبة الختمية ثلاثين سنة وإذا تأملت هذا علمت أن الختمية لم تثبت لأحد قبل شيخنا وأن أحدًا ما ادعاها وثبت على ادعائها لنفسه وأما شيخنا وسيدنا ووسيلتنا إلى ربنا سيد أحمد بن محمد الشريف الحسني التيجاني قال: أخبرني سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأني أنا القطب المكتوم منه إلي مشافهة يقظة لا منامًا فقيل له ما معنى المكتوم؟ فقال هو الذي كتمه الله تعالى عن جميع خلقه حتى الملائكة والنبيين إلا سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه علم به وبحاله وهو الذي حاز كل ما عند الأولياء من الكمالات الإلهية واحتوى على جميعها وأكبر من هذا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال إن لله ثلاثمائة خلق من تخلق بواحد منها أدخله الله الجنة وما اجتمعت في نبي ولا ولي إلا في سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأما الأقطاب الذين بعده حتى الحجة العظمى ابن عربي الحاتمي فإنما يعلمون ظواهرها فقط ويسمون المحمديين وبه ختم الله الأقطاب المجتمعة فيهم الأخلاق والإلهية وهذه الأخلاق لا يعرفها إلا من ذاقها ولا تدرك بالوصف ولا يعرف ما فيها إلا بالذوق وقال إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ تتلقاها ذات الأنبياء وكل ما فاض وبرز من ذات الأنبياء تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا واسطة قال أنا سيد الأولياء كما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد الأنبياء" ا.هـ منه. وهكذا تعلم أخي المسلم ما يتمتع به هؤلاء القوم من صفاقة وكذب سبقوا به الأولين والآخرين فهؤلاء هم يكذب بعضهم بعضًا، ويدعي كل منهم لنفسه ختم الولاية وهو شيء لم يأت في كتاب ولا سنة وإنما افتراه لهم مفتر فتتابعوا وراءه على مدى ألف ومائة سنة إلى اليوم لم أقرأ عن شيخ صوفي مشهور إلا ادعى هذا لنفسه ولكنني لم أجد أكثر كذبًا وصفاقة من هذا أحمد التجاني الذي ادعى أنه قد تحقق بكل الأخلاق الإلهية وعددها ثلاثمائة خلق ولما يتحقق بها إلا الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذا، وجميع الأولياء عرفوا ظاهرها فقط وأما أحمد التيجاني (الكذاب) فقد تحقق بها تمامًا، ثم تسأل أخي المسلم ما هي هذه الأخلاق فيقال لك إنها أخلاق ذوقية لا يعرفها إلا من ذاقها فقط كيف تكون الأخلاق أذواقًا يا قوم، وكيف تكون هذه هي أخلاق الله التي تخلق بها أحمد التجاني حقًا وصدقًا!!.. إن هذا المفتري لم يترك فرية من الفرى والأكاذيب التي افتراها من قبله على هذا الطريق الهالك طريق التصوف إلا افتراها هو لنفسه فقد زعم هنا أيضًا أن الله ينزل الفيوض (العلوم الغيبية) على الرسول محمد وأن الرسول محمد هو الذي يفاض منه على سائر الأنبياء، ثم يفاض من الأنبياء جميعًا على شخص أحمد التجاني فقط الذي يقوم بإمداد جميع الأولياء. بعد ذلك بهذه العلوم منذ خلق آدم وحتى النفخ في الصور!! انظر إلى هذا الكذب الملفق ما أعظمه وأشنعه. لقد افترى الفرية رجال قبله فلم يهدأ له بال حتى نسب ذلك إلى نفسه. انظر هنا إلى النص الآتي كيف يناقش من يذكر أمامه فضيلة من الفضائل المزعومة أيضًا لشيخ من شيوخ التصوف. قال صاحب الرماح أيضًا ما نصه: "ومدده الخاص به (يعني الشيخ التجاني) إنما يتلقاه منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص به لأن له مشربًا معهم منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه وعنا به مشيرًا بإصبعه السبابة والوسطى روحي وروحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ هكذا، روحه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمد الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام وروحي تمد الأقطاب والعارفين والأولياء من الأزل إلى الأبد وسبب ذلك أن بعض أصحابه تحاور مع بعض الناس في قوله ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه وعنا به كل شيوخ أخذوا عني في الغيب فحكي له ذلك فأجاب ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه وعنا به ما ذكر. وقال: نسبة الأقطاب معي كنسبة العامة مع الأقطاب وقال الشيخ عبدالقادر الجيلاني قال قدمي هذا (كذا) على رقبة كل ولي لله تعالى يعني أهل عصره وأما أنا فقدماي هاتان جميعها (وكان متكئًا فجلس وقال) على رقبة كل ولي لله تعالى من لدن آدم إلى النفخ في الصور" ا.هـ.. فانظر هذا الكذب والإفتراء. فإذا كان الجيلاني قد نسب إليه قوله مفصلًا لنفسه: قدماي هاتان على رقبة كل ولي لله تعالى!! فإن التجاني لم يهدأ باله حتى فسر كلام الجيلاني بأن هذا في وقته فقط وأما هو فقدماه على رقبة كل ولي لله تعالى من خلق آدم إلى النفخ في الصور!! فانظر إلى هؤلاء الذين يدوسون بأقدامهم على أولياء الله تعالى ويفضلون أنفسهم على هذا النحو. وهذه الكلمات منهم إن دلت على شيء فإنما تدل على مقدار الوقاحة والكذب الذي تحلى به هؤلاء، وعلى مقدار الجهل والفساد والتردي الذي وصلت إليه الأمة بأن تجعل أمثال هؤلاء المفترين الوقحين هم سادتها وقادتها ووسيلتها إلى الله وأن تملك رقابها وأموالها وعقولها لأمثال هؤلاء حيث يقودونهم إلى درب الغواية والضلال. وقد قسم الجيلاني هذا مراتب الأولياء والأنبياء إلى سبع مراتب سماها حضرات قال فيها: الحضرة الأولى: الحقيقة المحمدية. قال: وهذه الحضرة غيب من غيوب الله تعالى لم يطلع عليها أحد ولا عرف شيئًا من علومها وأسرارها وتجلياتها وأخلاقها ولو كان من الرسل والأنبياء لأنها خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. والثانية الحضرة المحمدية وتمثلها الدائرة الثانية ومن هذه الحقيقة المحمدية مدارك النبيين والمرسلين وجميع الملائكة والمقربين وجميع الأقطاب والصديقين وجميع الأولياء والعارفين. والثالثة حضرة الأنبياء وتمثلها الدائرة الثالثة وأهل هذه الحضرة يتلقون علومهم وأحوالهم وتجلياتهم من هذه الحقيقة المحمدية وخاتم الأولياء أعني الشيخ التجاني له مشرب من هذه الحضرة مع الأنبياء فهو يتلقى المدد رأسًا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حقيقته المحمدية بلا وساطة. الرابعة حضرة خاتم الأولياء وتمثلها الدائرة الرابعة وصاحب هذه الحضرة هو الشيخ أحمد التجاني فهو يتلقى كل ما فاض من ذوات الأنبياء زيادة على ما يتلقاه بلا وساطة من الحقيقة المحمدية ولذلك سمى نفسه (برزخ البرازخ). وقال الشيخ التجاني: وخصصت بعلوم بيني وبينه منه إلى مشافهة لا يعلمها إلا الله عز وجل بلا وساطة وقال: أنا سيد الأولياء كما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد الأنبياء. ثم قال صاحب الرماح "ولا اطلاع لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على فيضه الخاص لأن له مشربًا معهم منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ"!!. الحضرة الخامسة حضرة المتبعين للطريقة التجانية المتمسكين بها. قال الشيخ التجاني في حق أهل هذه الحضرة ما نصه "لو اطلع أكابر الأقطاب على ما أعد الله لأهل هذه الطريقة لبكوا وقالوا يا ربنا ما أعطيتنا شيئًا". وقال الشيخ التجاني لا مطمع لأحد من الأولياء في مراتب أصحابنا حتى الأقطاب الكبار ما عدا أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقال الشيخ التجاني: كل الطرائق تدخل عليه (كذا) طريقتنا فتبطلها وطابعنا يركب على كل طابع ولا يحمل طابعنا غيره وقال من ترك وردًا من أوراد المشايخ لأجل الدخول في طريقتنا هذه المحمدية التي شرفها الله تعالى على جميع الطرق أمنه الله في الدنيا والآخرة فلا يخاف من شيء يصيبه لا من الله ولا من رسوله ولا من شيخه أيا كان من الأحياء أو من الأموات. وأما من دخل زمرتنا وتأخر عنها ودخل غيرها تحل به مصائب الدنيا وأخرى ولا يفلح أبدًا (هامش: قلت فانظر كيف يهدم كل صاحب طريق صوفي طريق غيره من الكاذبين الضالين من أمثاله. واعتبر!!). ثم قال ناقلًا عن شيخه التجاني كما هو في جواهر المعاني: وليس لأحد من الرجال أن يدخل كافة أصحابه الجنة بلا حساب ولا عقاب ولو عملوا من الذنوب ما عملوا وبلغوا إلا أنا وحدي. ووراء ذلك مما ذكر لي فيهم وضمنه أمر لا يحل لي ذكره ولا يرى ولا يعرف إلا في الدار الآخرة بشرى للمعتقد علي رغم أنف المنتقد. ثم استطرد صاحب الرماح ومن هنا صار جميع أهل طريقته أعلى مرتبة عند الله تعالى في الآخرة من أكابر الأقطاب وإن كان بعضهم في الظاهر من جملة العوام المحجوبين. الحضرة السادسة حضرة الأولياء وتمثلها الدائرة السادسة وهي مستمدة من حضرة خاتمهم الأكبر جميع ما نالوا (الهدية الهادية ص36). انظر ماذا في هذه النصوص من الكفر الصريح والمخالفة الواضحة لما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمعلوم من الدين ضرورة أن من قال أنا في الجنة فهو في النار كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن هذا غيب بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهؤلاء لم يدعو الجنة لأنفسهم فقط بل ادعوها لكل من صدق أكاذيبهم ولو كان فاجرًا عاصيًا لله زيادة على الكفر بتصديقهم كأن يكون تارك الصلاة زانيًا.. وجعل التجانية هذا، أعني إدخاله العصاة إلى الجنة، فضلًا أعطاه الله إياه وبلغه الرسول بذلك. فانظر.. أقول: العجيب بعد كل هذا الكفر البواح المخرج من ملة الإسلام أن يدعي المدعي أن طريقته هذه مبنية على الكتاب والسنة وأنه لم يأت قط بما يخالفها فانظر هذا التلبيس على الناس، وانظر أي فتنة فتن بها المسلمون بهذا الطريق الصوفي!؟
|